لا تكن عونًا للظالم
د. محمد جمعة الحلبوسي
تعال أخي المسلم الكريم لنعيش اليوم وإياكم مع وصية عظيمة وغالية، هذه الوصية نطق بها من أوتي جوامع الكلم، هذه الوصية لأستاذ البشرية ومعلم الإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الوصية يريد النبي صلى الله عليه وسلم من خلالها أن ينقذ أمته من عذاب الله، هذه الوصية يحذرنا فيها من عمل خطير، هذا العمل من ابتعد عنه نجا ومن اقترب منه فقد هلك... هذا العمل هو (إعانة الظالم على ظلمه) ولنسمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ))؛ أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. ونحن لو تأملنا وتدبرنا هذه الوصية لوجدناها على صغر حجمها وقلة عباراتها تحمل معاني سامية وبلاغة عالية؛ فلقد بدأها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم باسلوب من أساليب التحذير، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحذر الإنسان الذي يكون عونًا للظالم في ظلمه، يحذر الإنسان الراضي بهذا العمل من غير إكراه أو ضرورة؛ فيقول له: إياك من هذا العمل، فإن فعلته فإن الله تعالى ينفض يده منك، ويوكلك إلى نفسك، ولا يمنحك الرحمة، ويسخط عليك، ومن باء بسخط الله تعالى فقد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
فأين من يعين الظالم على ظلمه من هذا التحذير النبوي؟ أين يمشي مع الظالم لينصره من كلام حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ أين من يفرح بظلم الظالم لإخوانه المسلمين من هذا الحديث؟ والله لا نجاة للأمة مما هي فيه من الظلم والفساد والاضطهاد، وضياع الأمن والاستقرار، إلا بتطبيقها لوصايا رسولها صلى الله عليه وسلم، إلا بالسير على تعاليمها والتخلق بأخلاقها، هذا هو الطريق ولا طريق غيره. يا سيدي يا رسول الله:
الحق أنت وأنت إشراق الهدى
ولك الكتاب الخالد الصفحات
من يقصد الدنيا بغيرك يلقها
تيها من الأهوال والظلمات
ولخطورة مساعدة الظالم في ظلمه نجد أن القران الكريم تحدث عنها وحذر المسلمين منها؛ فقال تعالى: ﴿ وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140]. قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: دلت هذه الآية على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يتجنبهم فقد رضي بفعلهم، والرضا بالكفر كفر وبالمنكر منكر؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ ﴾؛ فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
فينبغي على كل مسلم يريد أن يخلص نفسه من عذاب الله أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم؛ فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقال تعالى في آية أخرى وهو يحذر من الركون إلى الظالمين: ﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ [هود: 113]، والركون يعني: المجاملة والمداهنة، والميل إليهم بالمحبة والمودة، وآفة الدنيا هي الركون للظالمين؛ لأن الركون إليهم إنما يشجعهم على التمادي في الظلم، والاستشراء فيه. وأدنى مراتب الركون إلى الظالم ألا تمنعه من ظلم غيره، وأعلى مراتب الركون إلى الظالم أن تزين له هذا الظلم؛ وأن تزين للناس هذا الظلم. ولو نظرنا في مجتمعاتنا اليوم لوجدنا أن (الركون إلى الظالمين ومساعدتهم) أصحبت ظاهرة خطيرة ومنتشرة، رغم علمهم بأنّ هذا الأمر خطير، لكننا نجد هناك من يعين الظّالم على أخيه المظلوم !فهناك من يدافع عن الباطل ويتحد معه، وهناك من يحارب من أجل الباطل مع الظالم ضد المظلوم!
فأنا أقول من خلال وصية أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: يا من تجلس في مجلس ويغتاب ويطعن فيه شخص أحد إخوانك المسلمين - وما أكثر هذه المجالس في عالم اليوم - فيجب عليك ان تدافع عن أخيك بالأدب والحكمة، وتمنع صاحبك من الغيبة والطعن، فإن فعلت ذلك فقد أنقذت نفسك من عذاب الله تعالى... ولكن إن سكتّ ولم تدافع عن أخيك، من أجل أن تكسب ود الظالم، أو مجاملة معه؛ فقد أعنت هذا الظالم على ظلمه، وأنت معه في الإثم سواء.
وليسمع أولئك الذين يجلسون في مثل هذه المجالس التي يكثر فيها السب والشتم والطعن في أعراض المسلمين - حتى الأموات لم يسلموا منها - ولم يدافعوا عن إخوانهم - ليسمعوا إلى كلام النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يحذرهم فيقول: ((مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ - إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ - إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ))؛ رواه أحمد. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ فِي الْغِيبَةِ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ))؛ رواه أحمد، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف.
يتبع